تصورات عن فلسطين
- اسم الكتاب:
تصورات عن فلسطين
- المؤلفة:
كاثلين كريستيسون
- عدد الصفحات: 370
- الطبعة: الأولى 1999
- الناشر: بيركلي ولندن،
مطبعة جامعة كاليفورنيا
تصورات عن فلسطين
- المؤلفة:
كاثلين كريستيسون
- عدد الصفحات: 370
- الطبعة: الأولى 1999
- الناشر: بيركلي ولندن،
مطبعة جامعة كاليفورنيا
هذا كتاب خارق لما هو سائد في التفكير والمخيلة الغربية تجاه فلسطين والفلسطينيين, ولهذا السبب فقد تعرض للإهمال المتعمد كسائر الدراسات الشجاعة والجريئة التي طفا بها كيل الانحياز الغربي للمشروع الصهيوني, ولا تلقي بالا للتبعات التي سيتحملها المؤلف أو المؤلفة عند تحديه للخطاب الغربي الصلد تجاه إسرائيل.
يناقش الكتاب تأثير التصورات المترسخة سواء عند السياسيين أو الرأي العام حول فلسطين في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط, ويبحث في تكون "الإطار المرجعي" لتلك التصورات. والمؤلفة كاثلين كريستيسون هي صحفية أميركية عملت سابقا باحثة في المخابرات المركزية الأميركية, وهي متخصصة في الشرق الأوسط وكتبت عنه منذ 25 عاما. وبهذا فنحن أمام خبرة متراكمة ومتعددة الجوانب, بحثية وأكاديمية وذات بوصلة أمنية وسياسية.
ومن هنا فإن كتاب كريستيسون يعكس عمقا وفهما للشرق الأوسط وللولايات المتحدة وسياستها هناك يقلق كل الذين لا يريدون لهذا العمق والفهم أن ينتشرا في الأوساط الغربية.
لا تتردد كريستيسون في اعتبار سياسة الولايات المتحدة منحازة بشكل مضر لإسرائيل وأن هذه السياسة تسببت في إطالة عمر الصراع العربي الإسرائيلي لسبب أساسي هو إنصات الولايات المتحدة للصوت الإسرائيلي وعدم السماع للطرف الآخر الفلسطيني.
غير أن الموقف الرسمي الأميركي لا يختلف عن الموقف الشعبي, وهو الأمر المثير للدهشة الذي تنخرط كريستيسون في تحليل أسبابه والغوص في عمق المخيلة العامة التي تحفل بالصور والإدراكات المشوهة عن فلسطين والفلسطينيين.
ومن أجل التنقيب في حفريات تلك المخيلة وصورها "الفلسطينية" فإنها تعود بنا إلى رحلات الغربيين الاستكشافية إلى فلسطين في القرن التاسع عشر والكتابات التي كتبوها ونشروها عن رحلاتهم تلك، وشكلت بالتالي إحدى أهم الأرضيات المؤسسة للتصورات الأميركية العامة عن فلسطين.
فمثلا تتساءل المؤلفة عما إن كانت كتابات رحالة مثل مارك توين عن فلسطين بعد رحلته إلى هناك ستترك غير الأثر السيئ عندما يصف السكان المحليين في فلسطين بالقول "شحاذون قذرون بالطبيعة أو بالفطرة أو بالتعلم" (ص 16).
وتضيف المؤلفة أن مقولات تولين وغيره عن فلسطين الجرداء وقراها الكالحة وسكانها البلهاء مقابل الازدهار والزراعة والتطور التي حلت بالبلاد مع الهجرات اليهودية، هي الصور التي كررتها ماكينة الإعلام الصهيوني وكذا الأميركي ونسجت حولها مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
وبهذا فإن المخيلة الأميركية معبأة من ناحية تاريخية ضد سكان فلسطين حتى قبل قيام المشروع الصهيوني. وما تناقشه كريستيسون في كتابها هذا أنه بالإضافة إلى التصورات الكريهة التي رسمها هؤلاء الرحالة والمؤرخون عن فلسطين والفلسطينيين، فإن خلفية الاعتقاد المسيحي البروتستانتي حول البعد الديني لقيام دولة إسرائيل خاصة في أوساط المسيحية الصهيونية, كما الأثر الذي خلفته الهولوكوست على صعيد خلق تعاطف عريض مع يهود أوروبا و"أحقيتهم بوجود وطن خاص بهم", كل ذلك يشكل الأرضية الصلبة التي تنبني عليها السياسة الخارجية الأميركية سواء أكان منفذوها ديمقراطيين أم جمهوريين.
وخلاصة ذلك كله كان نشوء علاقة عضوية وطيدة بين الولايات المتحدة ومشروع إقامة إسرائيل يتعدى بأشواط كبيرة ما يعتقده البعض من أن العلاقة هي مجرد تحالف بين دولتين, بل إن ما يعرضه الكتاب هو أن إسرائيل تكاد تكون جزءا من "الحلم الأميركي" على المستوى الشعبي والنخبوي على حد سواء, كما أن الولايات المتحدة بالنسبة لإسرائيل ليست هي الحليف الأول فحسب بل الحاضنة والمستودع العاطفي والتكاملي مع المشروع.
وتلفت المؤلفة الانتباه إلى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تخرج عن خط النظر إلى الشرق الأوسط عن طريق البوصلة الإسرائيلية, بل إن المستشارين والخبراء الذي أحاطوا بكل إدارة كانوا على أتم الإدراك بأن ما يضمن بقاءهم قريبين من صناع القرار هو إسماع القياديين ما يودون سماعه حول الشرق الأوسط، وألا يقدموا رؤى وآراء مخالفة للإجماع العام المؤيد والمتعاطف مع إسرائيل بلا حدود. وهي تقتبس عن أحد المسؤولين الأميركان في هذا السياق إعجابه ببعض "خبراء الشرق الأوسط" الذين أدركوا ضرورة أن يكونوا ضمن الخط العام مثل برنارد لويس وفؤاد عجمي. فكما يقول هذا المسؤول فإن لويس هو نموذجي, حيث هو أكاديمي معتبر وله باع طويل في المعرفة بالعرب, ويتكلم العربية أحسن من كثير من أهلها, وهو مؤيد لإسرائيل. وعجمي يقع في الخانة نفسها، فهو من أصل عربي وخبير في الشرق الأوسط لا أحد يشكك في مكانته العلمية ومؤيد لإسرائيل.
يمتد الجهد الموسوعي الذي أنتجته المؤلفة ليشمل تحليل التصورات الرسمية والعامة في الولايات المتحدة تجاه فلسطين من النصف الثاني للقرن التاسع عشر ثم بدءا بالتاريخ الدبلوماسي للرئاسات الأميركية المتعاقبة منذ وعد بلفور عام 1917. وفيه تخصص فصلا خاصا لكل إدارة أميركية منذ إدارة ودرو ويلسون التي أقرت ووافقت على وعد بلفور, ثم إدارة روزفلت فترومان فإيزنهاور, ثم كنيدي وجونسون ونيكسون وفورد, يليهم كارتر وريغان وصولا إلى بوش في أوائل التسعينيات من القرن العشرين. وإزاء كل حقبة من هذه الحقب فإن المؤلفة درست المؤثرات المحيطة بالرئيس وشخصيات أعوانه ومستشاريه وتأثرهم بالرأي العام وخلفياتهم السياسية والأيدولوجية, ولاحظت مسايرتهم للمزاج العام وخضوعهم له, وسيادة الرغبة الكاسحة لدى الغالبية منهم بألا يتصادموا مع ما هو سائد من قناعات عامة حتى لو توصلوا إلى قناعات خاصة بهم مغايرة للقناعات الراسخة.
تبدأ المؤلفة باستعراض حقبة ودرو ولسون الرئيس الأميركي في سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى, وصاحب دعوة حق تقرير المصير للشعوب، ونصير فكرة عصبة الأمم. وتشرح هنا كيف أن ولسون هذا الزعيم العالمي كان متدينا إلى حد بعيد، وأن فكرة عودة اليهود إلى أرض فلسطين كما تعلمها منذ طفولته كانت من الوعود المسيحية المذكورة في العهدين, وبذلك فإنه وافق على التو على الوعد البريطاني بمنح فلسطين لليهود. ولم يكن لولسون أي معرفة أو اهتمام بالعرب الفلسطينيين المقيمين في تلك الأرض منذ 13 قرنا، فالفلسطينيون وتاريخهم ولاحقا معاناتهم كل ذلك من الأمور المسكوت عنها والتي لا تثير أي اهتمام أميركي مقابل "الاستحواذ" بالعودة اليهودية إلى فلسطين.
وفي أعقاب ولسون سار روزفلت وفق الالتزامات الأميركية بالموافقة على المشروع الصهيوني في فلسطين ودعمه, وزاد عليه تأييد الهجرة اليهودية المتسارعة إلى فلسطين في حقبة الثلاثينيات إثر تسلم هتلر الحكم في ألمانيا. وعندما جاء ترومان تسارعت وتيرة الدعم المعنوي -الديني والتعاطفي- والمادي للحركة الصهيونية، واشتهر عهد ترومان بسيطرة المستشارين اليهود والصهيونيين على قرارات الإدارة الأميركية فيما يخص فلسطين, إلى جانب تصاعد قوة المسيحية الصهيونية. وفي سنوات ترومان قامت إسرائيل وأراد ترومان أن يسابق الريح في الاعتراف بها, مؤكدا أن الوعد الإلهي قد تحقق في "أرض إسرائيل".
بعد تأسس إسرائيل أصبح الالتزام الأميركي بوجود الدولة الجديدة التزاما شبيها بالالتزام الديني, كما ترسخت الصورة الرومانسية في المخيلة الأميركية حول تحقق النبوءة الإنجيلية بعودة اليهود إلى القدس. وفي المقابل اختفى الفلسطينيون من المشهد كليا, فلا مئات الألوف من اللاجئين الذين طردوا إلى الخارج, ولا معاناة من تبقى منهم في الداخل استحقت أن تكون موضوعا يشغل بال الأميركيين. بل إن الصورة حول العرب كبدائيين ومتخلفين وشعب لا يستحق الحياة كانت تمثل إحدى الخلفيات التي بنيت عليها السياسة الخارجية وما زالت حتى الآن. ولذلك فإن عهود الرؤساء كنيدي وجونسون ونيكسون وفورد وصولا إلى بوش لم تكن إلا ترجمة للمخيلة والتصورات العامة الأميركية حول فلسطين والفلسطينيين وحول الوعد الإلهي للشعب المختار بمنحه أرض فلسطين.
والواقع أن الأمثلة والمشاهدات والاقتباسات الغنية التي يزخر بها هذا الكتاب تجعل من الضروري التوصية بترجمته إلى العربية حتى يطلع السياسيون العرب والنخب التي لا تمتاز بعمق تاريخي حقيقي، على "أصولية" السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وخاصة تجاه القضية الفلسطينية والجذور العميقة لتلك الأصولية, لأن الفهم العميق لها هو أول الأسس السليمة للتعامل معها.
عن المركز الفلسطيني للإعلام [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]